فصل: الفصل التاسع والسبعون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل التاسع والسبعون:

يا هذا: قد سمعت أخبار المتقين فسر في سربهم، وقد عرفت جدهم فتناول من شربهم، ثم سل من أعانهم يعنك، فما كان بهم.
لابن هندو:
لا يؤيسنك من مجد تباعدهُ ** فإن للمجد تدريجًا وترتيبا

إن القناة التي شاهدت رفعتها ** تنمي وتنبت أنبوبًا فأنبوبا

استغنى القوم بطبيبهم عن مدح خطيبهم فاسلك طريقهم تكن رفيقهم.
لابن الرومي:
وسائل عنهم ماذا يقدمهم ** فقلت فضل به عن غيرهم بانوا

صانوا النفوس عن الفحشاء وابتذلوا ** منهن في سبل العلياء ما صانوا

المنعمون وما منوا على أحد ** يومًا بنعمي ولو منوا لما مانوا

قوم يعزون إن كانت مغالبة ** حتى إذا قدرت أيديهم هانوا

أطار خوف النار نومهم وأطال ذكر العطش الأكبر صومهم يحسبهم الناظر مرضى الأبدان وإنما بهم سقام الأحزان.
مكتئب ذو كبد حرى ** تبكي عليه مقلة عبرى

يرفع يمناه إلى ربه ** يشكو وفوق الكبد اليسرى

يبقى إذا حدثته باهتًا ** ونفسه مما به سكرى

تحسبه مستمعًا ناصتًا ** وقلبه في أمة أخرى

إذا ذكروا العفو طاب العيش، وإذا تصوروا العذاب جاء الطيش.
أمد بإحدى مقلتي إذا بدت ** إليها وبالأخرى أراعي رقيبها

وقد غفل الواشي ولم يدر أنني ** أخذت لعيني من حبيبي نصيبها

قال صالح المري: كان عطاء السلمي قد اجتهد حتى انقطع، فصنعت له شربة سويق فلم يشرب. فقال: إني والله كلما هممت بشربها ذكرت قوله تعالى {وطعامًا ذا غُصَّة} فلم أقدر، فقلت: أنا في واد وأنت في واد.
أطلت وعذبتني يا عذول ** بليت فدعني حديثي يطول

أبيت أراقب نجم الدجى ** إلى الصبح وجدي ودمعي يسيل

انبعثت غيوم الغموم من أودية القلوب، فاستتمت قبيل الصبح فهطلت، فلها مع الشئون شئون فجرت الأرواح في موتى العيدان، فقدحت فحرقت، فارتقت ورق الشوق منابر الشدو، فأطربت فصدحت بلابل المحبة بين منثور منثورها فبلبلت.
يا نفحات الريح مري سحرًا ** فبلبلي طرة أرض بابل

صفي لأهل بابل بلا بلى ** وبلغيهم في الهوى رسائلي

كم من دم طاح بغير ثائر ** وكم قتيل كلف بالقاتل

قلب المحب تحت فحمة الليل جمرة كلما هب النسيم التهبت.
يمر الصبا صفحًا بساكن ذي الغصنا ** ويصدع قلبي أن يهب هبوبها

قريبة عهد بالحبيب وإنما ** هوى كل نفس حيث حل حبيبها

سهر القوم يقع ضرورة، لأن القلق مانع من النوم وليس لهم في تلك الشدائد راحة سوى جريان الدموع.
للسري:
بلاني الحب فيك بما بلاني ** فشأني أن تفيض غروب شاني

أبيت الليل مرتفقًا أناجي ** بصدق الوجد كاذبة الأماني

فتشهد لي على الأرق الثريا ** ويعلم ما أجن الفرقدان

فيا ولع العواذل خل عني ** ويا كف الغرام خذي عناني

من صلى بالليل حسن وجهه بالنهار، شيمة المحبة لا تخفى وصحائف الوجوه يقرؤها من لم يكتب، خذي حديثك في نفسي من النفس، قطعت نياق جدهم بادية الليل ولم تجد مس تعب، الطريق إلى المحبوب لا تطول.
بدا لها من بعد ما بدا لها ** روض الحمى أن تشتكي كلالها

فخلها تمرح في زمامها ** فإنها قد سمّت عقالها

اذكرها مر النسيم سحرًا ** مراتعًا تفيات ظلالها

رنحها الشوق الممض والسرى ** فسحبت من وجدها جلالها

تحسبها سكرى وما ذاك بها ** وإنما شوق الحمى أمالها

يا رب، قرب أرض كنعان من مصر فقد نفذ صبر يعقوب، كان أبو زيد يقول: إلهي إلى متى تحبس أعضاء محبيك تحت التراب؟ أحشرهم واجعلني جسرًا ليعبروا إليك واويلاه أنا أشرب وأنا أطرب، يتركوني أسير وجدي أسير وحدي هلا سعت معي رجل رجل، أو أعانني ساعد مساعد، أين شرطة الرفقة؟ أو ما العزاء للكل.
لو عدلتن تساهمنا جوى ** مثل ما كنا اشتركنا نظرا

يا حاضرين عندنا بنية التنزه لستم معنا، عودوا إلى أوكار الكسل فالحرب طعن وضرب، يا مودعين ارجعوا فقد عبرنا العذيب دعونا نخل بالوجد في صحراء نجد، ستأتيكم أخبارنا عن قريب بعد فيد، وأنت أيها الحادي عرض المازمين والخيف تعلمك الدموع كيف ترمي حصن الخذف.
الأغنياني بالديار فإنني ** أحب زرودًا ما أقام ثراها

وبين النقي والأنعمين محلة ** حبيب لقلبي قاعها ورباها

ونعمان يا سقيًا لنعمان ما جرت ** عليه النعامى بعدنا وصباها

وللقلب عند المازمين وجمعها ** ديون ومقضى خيفها ومناها

.الفصل الثمانون:

يا مقيمًا في دائرة دار الغير كم حضرت فيها محتضر، كم عاينت عينك قبرًا يحتفر. لقد ألانت مواعظها كل صلد حجر، عجبًا لفرخها ما عيد حتى نحر.
إن في نأي زماني عظة ** تشغل العاقل عن نأي زنام

ومدام الفكر فيمن قد مضى ** مسكر يغنيك عن شرب مدام

عرس القوم وغربان الدجى ** إنما صاحت بتقويض الخيام

وحمامات الضحى صادحة ** نوحها ينذرها صرف الحمام

ومطايا الخيف قد زمت لكم ** ودعوا يا قوم وامضوا بسلام

ودعوا عنكم أباطيل المنى ** ليست الدنيا لنا دار مقام

أقسم الساقي بكاسات الردى ** ليدورن على كل الأنام

يا من إذا عامل خان وظلم، يا من أمر بما ينفعه فلم، هذا القتير في الرأس كالعلم، أبقي بعد نوره يا ظالم ظلم، ألم يقل لك ألم الضعف انتبه، ألم، أين رفيقك؟ ادلج وقد عرفت المنهج والرحيل قد أزعج وهذا فرس مسرج والبضاعة كلها بهرج.
ويحك تعاهد قلبك فإذا رأيته قد مال إلى الهوى، فاجعل في الجانب الآخر ذكر العقاب ليستقيم، فإن غلبك الهوى فاستغث بصاحب القلب، وإن تأخرت الإجابة فابعث رائد الانكسار خلفها «تجدني عند المنكسرة قلوبهم».
يا هذا، أما علمت أن اللطف مع الضعيف أكثر. لما كانت الدجاجة لا تحنو على الولد أخرج كاسيًا، ولما كانت النملة ضعيفة البصر أعينت بقوة الشم فبها تجد ريح المطعوم من بعيد فتطلب، لما كان التمساح مختلف الأسنان صار كلما أكل حصل بين أسنانه ما يؤذيه فيخرج إلى شاطئ البحر فاتحًا فاه، طالبًا للراحة فيأتي طائر فينقر ما بين أسنانه فيكون ذلك رزقًا للطائر وترويحًا عن التمساح، هذه الخلد دويبة عمياء قد ألهمت وقت الحاجة إلى القوت أن تفتح فاها فيسقط الذباب فيه فتناول منه، هذه الأطيار تترنم طول النهار، فيقال للضفدع ما لك لا تنطقين؟ فتقول: مع صوت الهزار يستبشع صوتي، فيقال: هذا الليل بحكمك «أنا عند المنكسرة قلوبهم» لما خلق الأخرس لا يقدر على الكلام سلب السمع لئلا يسمع ما يكره، ولا يمكنه الجواب فكل أخرس أطروش، لما تولع الجذام بأظفار أصحابه، صعب عليهم الحك فمنع منهم القمل فليس في ثياب المجذومين قملة، سبحان من هذا لطفه، سبحان من لا يعطف عنا عطفه، ثكلت خواطر أنست بغيرك عدمت قلبًا يحب سواك:
لا أذاق الله عينًا أبصرت ** غيركم ياقوت روحي وسنا

لا ولا كانت قلوب سكنت ** عند ذكراكم ولا نالت منى

إلهي، ادلنا من نفوسنا التي هي أقرب أعدائنا منا وأعظمهم نكاية فينا، إلهي تلاعبت خوادع آمالنا ببضائع أعمارنا فصرنا مفاليس، أغارت علينا خيول الهوى فاستأسرتنا بأسرنا وأوثقتنا من أسرنا ورمتنا في مطامير طردنا، فيا مالك الملك أنقذ حبيسنا وخلص أسيرنا وسير أوبتنا من بلاد غربتنا، كم عدنا مريضًا؟ وما عدنا، كم رأينا الألحاد تبنى، وما تبنا، كم أبصرنا؟ وما أقصرنا وانتهينا وما انتهينا يا ملاذ العارفين يا معاذ الخائفين، خذ بيد من قد زلت قدم فطنته في مزلق فتنته أقم من قعد به سوء عمله:
كم كم أشكو وأين نفع الشكوى ** قد قل تصبري وحل البلوى

ما لي جلد على جفاهم يقوى ** أهوى قلقي إذا جفا من أهوى

يا من أصلح السحرة فجعلهم بررة، جاؤا يحاربون وخلع الصلح قد خبيت، وتيجان الرضى قد رصعت، وشراب الوصال يروق، فمدوا أيديهم إلى ما اعتصروا من خمر الهوى فإذا به قد استحال خلا، فأفطروا عليه.
واعجبًا لسكارى من شراب الحب عربدت عليهم المحبة، فصلبوا في جذوع النخل ارتقى سلطان عزمهم إلى سماوات قلوبهم {فأوحى في كل سماء أمرها} واعجبًا لعزم صلب ما هاله الصلب، لا تتعرض بنار المحبة إلا أن يكون لقلبك جلد السمندل أو صبر الفراش.
يا هذا، الاحتراق على قدر الاشتياق لما اشتد شوق الفراش إلى النار، تعجل احتراقه وهجم يبتغي الوصال فصال عليه المحبوب:
لاذ بهم يشتكي جواه ** فلم يجد في الهوى ملاذا

ولم يزل ضارعًا إليهم ** تهطل أجفانه رذاذا

فقربوه فحادثوه ** وأتلفوه فكان ماذا

لما علم المحبون أن الصبر محبوب شمروا لحمل البلاء، ثم حلى لهم فعدوه نعمة.
سقمي في الحب عافيتي ** ووجودي في الهوى عدمي

وعذاب ترتضون به ** في فمي أحلى من النعم

كان الربيع بن خيثم يقول في شدة مرضه، ما أحب أن الله نقصني منه قلامة ظفر.
مرض الحب شفائي في الهوى ** كلما أكربني طربني

فبقائي من فنائي فيكم ** وسروري منكم في حزني

وشربتم بوصال مهجتي ** وأنا منتظر للثمن

كيف أرجو البرء من داء الهوى ** وطبيبي في الهوى أمرضني

وإذا البلوى أفادت قربكم ** فمن النعمى دوام المحنِ

أخواني، لسنا من رجال البلاء فسلوا الله العافية، يضيق الخناق على المحب ويمنع من التنفس، لئن قلت آه لأمحونك.
الحب يقول لا تشع أسراري ** والدمع يسيل هاتكًا أستاري

فالشوق يزيدني على المقدار ** وأناري إذن من الهوى وأناري